قطايف سامح حسين.. القبول لا يُباع ولا يُشترى

محمد جمعة

غاب، أو غُيِّب، الفنان سامح حسين عن الشاشة الصغيرة خلال شهر رمضان، الموسم الذي يُعَدُّ بمثابة سوق عكاظ للدراما العربية، حيث نادرًا ما يغيب عنه فنان موهوب ومحبوب من الجمهور. لكن مع تغيّر قواعد اللعبة الفنية، وتحوّل الإنتاج إلى حسابات مختلفة تُعيد رسم موازين القوى، وجد كثير من الفنانين أنفسهم خارج المشهد، وكان سامح حسين أحدهم.

ولكن ومع بداية الشهر الكريم، بدأت مقاطع قصيرة لسامح حسين تنتشر على استحياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يظهر هذه المرة في ثوب المذيع. استوقفني هدوؤه المعتاد، وابتسامته الدافئة، ولغة جسده التي يوظفها ببراعة. دفعني الفضول للاستماع إليه، وهو يسرد قصصًا ملهمة، ويستخلص العِبَر المستوحاة من الدين والحياة، متناولًا قضايا اجتماعية بأسلوب بسيط وسلس، في نص مكتوب برشاقة ووعي، يقدّمه فنان يمتلك أدواته بإتقان.

وكما هي العادة في رمضان، يفرز الجمهور المحتوى الذي يُعرض أمامه، فيميز بفطرته بين الغثّ والسمين. شيئًا فشيئًا، أصبحت حلقات “قطايف” متداولة على نطاق واسع، مصحوبة بكلمات الثناء والإعجاب، لما تحمله من معانٍ ثرية وأفكار عميقة تحرّرنا من ضغوط الحياة، وتعيد إلينا صفاء الذهن، وتدعونا إلى التأمل والتدبر.

وربما لو سمع أيٌّ منا هذه الكلمات من شخص آخر، لما استوقفته أو حتى تقبّلها بنفس القدر. لكنه القبول الذي يتمتع به سامح حسين، وهو القبول الذي لا يُباع ولا يُشترى، بل ينبع من أسلوبه المميز في الإلقاء والتقديم، ومن قدرته على أن يكون قريبًا من القلب قبل أن يكون حاضرًا على الشاشة.

سامح، الذي لم أعرفه شخصيًا، وإنما تواصلت معه عبر الرسائل النصية فقط بحكم عملي كصحفي خارج حدود الوطن، لم أجد منه سوى ردود راقية، وأسلوب مهذب، وترحاب كبير في كل مرة تواصلت معه.

في زمنٍ يُقدَّم فيه الضجيج على القيمة، يبقى القبول الصادق هو العملة النادرة التي لا تُشترى بالملايين، ولا تُفرض بالحسابات والتسويق. وسامح حسين، بصدقه وحسه الإنساني، هو أحد هؤلاء القلائل الذين لا يحتاجون إلى صخب ليصلوا، ولا إلى ادّعاء ليُقنعوا.

“قطايف” لم يكن مجرد برنامج، بل كان نافذةً هادئة وسط ضجيج المحتوى الرمضاني، يُعيد لنا لمحةً مما نفتقده: بساطة الكلمة، وعمق المعنى، وصدق الحضور. وربما لهذا السبب، وجده الناس قريبًا من قلوبهم، كما وجدته أنا رغم البعد الجغرافي، عبر بضع رسائل، حملت في طياتها الكثير من الاحترام والرقيّ.

وفي نهاية الأمر، يبقى النجاح الحقيقي هو أن تكون مقبولًا دون تصنّع، محبوبًا دون تكلّف، وصادقًا دون ضجيج. وهذا ما يجعل سامح حسين، كما برنامجه، حالةً نادرة تستحق التقدير.

شاهد أيضاً

عرض أول ل”أعجوبة الحياة” بمهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة بلبنان

يشهد الفيلم الفلسطيني أعجوبة الحياة للمخرجة صابرين خوري عرضه العالمي الأول في مهرجان بيروت الدولي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *