جناح الإمارات .. امتداد جذور الفن لعُمق التاريخ العربي

افتتح المعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية اليوم (20 أبريل) أبوابه للزوار بمشاركة دولية واسعة تضم الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة و87 مشاركة وطنية من دول العالم، وتستمر فعالياته حتى 24 نوفمبر 2024.

ويظهر معرض الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة امتداد جذور الفن الإماراتي لعُمق التاريخ العربي، وذلك عبر ممارسات الفنان الإماراتي عبد الله السعدي الفنية ضمن رحلاته في الطبيعة، عبر معرضه الفردي بعنوان: “عبد الله السعدي: أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان” برعاية القيّم الفني طارق أبو الفتوح، حيث يقدم المعرض ثمانية أعمال للسعدي تم انتاجها خلال رحلاته في الطبيعة تحوي مئات من القطع الفنية.

وحول التقيمات الأولى وردود الأفعال المتوقعة للزوار قال طارق أبو الفتوح: ” نتوقع أن يجذب عنوان المعرض “عبد الله السعدي: أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان” الانتباه وأن يحفز الزوار على التأمل في مصادر الإلهام عند العرب لاستخدام اللغة بأسلوب مبتكر وجذاب، فضلاً عن استدعاء ممارسات كتابة الشعر من عُمق التاريخ العربي الأصيل.”

وعن رحلات الفنان عبدالله السعدي في الطبيعة وتشابهها مع الرحالة والشعراء العرب قال طارق أبو الفتوح: “تحمل رحلات عبدالله السعدي الفنية أصولاً موغلة في القدم، فهي تتشابه مع العملية الإبداعية للشعراء في شبه الجزيرة العربية منذ ما يربو على الألفي عام. فهو يقوم برحلاته في البرية وحده، بمصاحبه كتاب حول موضوع محدد ثم يقرءه أو يعيد قراءته أثناء الرحلة (في رحلة الصوفي، رافقه في وسط الطبيعة كتاب عن الصوفية). وأحيانا يذهب برفقة حيوانات أليفة، أو وسيلة تنقل كالسيارة، أو الدراجة. وينعكس التواجد الحميمي لرفقاء السفر هؤلاء بشكل واضح في الأعمال الفنية التي تكتشف الأرض والمكانة التي يحتلها الإنسان فيها.”

وأضاف طارق أبو الفتوح: ” أثناء الرحلة التي تستمر لعدة أيام، يقوم عبدالله السعدي بالتخييم في البرية. وبشكل تدريجي، يتولد إحساسه بالتوحد مع الطبيعة، وعندها فقط يبدأ في الرسم أو الكتابة على قماش اللوحات أو الأوراق، في تطابق لما كان عليه الشعراء العرب القدماء حين كانوا “يخرجون” ويرتحلون كممارسة شعرية وإبداعية.”

ويشرح طارق أبو الفتوح الفكرة المميزة لعنوان العرض قائلاً: “لا بد أن تقترن أماكن الذاكرة بشكل لصيق ومتوائم بأماكن أخرى للنسيان، فهما ضروريتان لعملية تكوين الذاكرة الفردية والجماعية، ومعاً تشكلان تاريخًا موازيًا لذلك المعترف به والموثق رسميًا. فعلى مدار أكثر من أربعين عامًا، ابتكر السعدي من خلال فنه روايات ذاتية فريدة، وهو يحتفظ بخرائطه وأحجاره ولفائفه ورسوماته في صناديق ذات أشكال وأحجام مختلفة، مصنوعة من التنك، ويخزنها كلها في صناديق معدنية كبيرة تشبه صناديق الكنوز الثمينة. وهي مرقمة ومؤرخة ومشفرة. وكأنه بذلك يساهم في ذاكرة جماعية مستقبلية ما، من خلال تقديم رؤية ذاتية للعالم يحرص على الحفاظ عليها بمثابرة دؤوبة.”

يضم معرض الفنان عبدالله السعدي الفردي في بينالي البندقية ثمانية أعمال فنية أنتجها خلال رحلاته في البرية، وهي ست رحلات قام بها في الماضي: رحلة الطوبى، رحلة الخرير والحرير، رحلة النعال، رحلة على خطى قمرقند، رحلة على خطى قمرقند بالسيارة، رحلة الصوفي.. بالإضافة إلى عملين جديدين تم إنتاجهما خصيصاً للمعرض وهما: رحلة الجرامافون في الحورة، ورحلة الجرامافون على دراجة.

وتحاكي ممارسة عبد الله السعدي الشعراء القدامى، فهو لا يصنع سجلاً موضوعيًا، بل تفسيرًا حسيًا وعاطفيًا وجماليًا للأرض، فيشتبك فنه الآسر بسلاسة مع تقاليد الشعراء القدامى، مما يساهم في استمرارية تاريخية غنية وذاكرة جمعية.

ومن منظور الثقافة العربية التي كان الفنان فيها قارئاً في ما مضى، فإن رحلاته المعاصرة تشابه ما درجت عليه عادة شائعة لدى الشعراء القدامى الذين ألهمهم تجوالهم في الطبيعة بالتعبير عن أنفسهم وكتابة الشعر. والدليل على ذلك، أن قصائدهم غالبًا ما تبدأ بوصف الطبيعية المحيطة بهم. حيث كانت الطبيعة بوابة إلى دواخلهم وفرصة للتأمل في تجربتهم الخاصة بهم.

وأختتم طارق أبو الفتوح حديثه قائلاً: “تم طرح تعبير “أماكن الذاكرة” لأول مرة من قبل المؤرخ الفرنسي بيير نورا كمقابل حسي لماهية الذاكرة الجمعية للأمة الفرنسية، ثم ظهرت مشروعات تنظيرية مماثلة على المستوى الأوروبي، وتلاها العالم الناطق بالإنجليزية، ثم غيرهم من الأمم، حتى بدأ العمل مؤخراً على أماكن للذاكرة العالمية. يُعرف بيير نورا أماكن الذاكرة على أنها ليست أماكن جغرافية أو ذات أبعاد ملموسة فحسب، بل هي أيضاً تشمل كتباً أو أغاني أو أعمالاً فنية وأياماً تذكارية ونصوصاً فلسفية وعلمية وأنشطة رمزية وغيرها، تشكل جميعها مكونات لتلك الذاكرة الجمعية التي تمثل تواريخ موازية وغير رسمية تتخطى الروايات المعروفة، والموثقة، والسياقات الملموسة، والمحسوسة.”

شاهد أيضاً

“مأمور الثلاجة”.. دراما إنسانية بقالب كوميدي من إنتاج إندبندنس

أعلنت شركة إندبندنس للإنتاج الفني والمسرحي عن استعدادها لتصوير عملها التلفزيوني الجديد بعنوان “مأمور الثلاجة”، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *